القائمة الرئيسية

الصفحات

 عبد المنعم ضو محمد.. حين يتحول الألم إلى حبر يكتب الحياة

الصحفية|إسراء الزهدي 

من قلب مدينة طرابلس بليبيا، يسطع اسم عبد المنعم ضو محمد كأحد النماذج الملهمة في عالم الأدب والكتابة، حيث استطاع أن يحوّل محنة قاسية إلى منحة فنية خالدة. عبد المنعم، الذي يدرس قسم الاتصالات بكلية الطيران المدني والأرصاد الجوية، عرف طريقه إلى القلم من خلال محاولات متواضعة لمجاراة أقلام مبدعين مثل أدهم الشرقاوي وأيمن العتوم، واستسقاء المفردات من الكتب التي يطالعها، مؤمنًا بأن "المطالعة الكثيرة تنعكس على القلم".




بدايته مع الكتابة جاءت بعد تعرضه لحادث صعب نتج عنه شلل رباعي، فوجد في الأدب عزاءً ونافذة جديدة للحياة. ومع تزايد وقت الفراغ، انضم إلى مجموعات أدبية على فيسبوك، وبدأ يشارك بقلمه المتواضع الذي لم يلبث أن اشتد عوده، حتى صار قلمًا واثقًا يلامس القلوب. يقول عبد المنعم: "بدأت أجاريهم بأقلام بسيطة، ومع الاستمرار بدا القلم يشتد وتثبت أرجله، وزادني تلخيص الكتب في جودة القلم حسب شهادات الناس."


يميل عبد المنعم إلى كتابة الخواطر والقصص القصيرة، بينما يظل شغفه بالمطالعة منصبًا على التاريخ والفقه، رغم انفتاحه لاحقًا على مختلف الألوان الأدبية، مؤكدًا أن "في كل لون فائدة وفي كل كتاب حياة متفردة، ودائمًا لا خاسر مع الكتاب."




رحلته الأدبية أثمرت عن إنجازات لافتة؛ فقد ألف قصة قصيرة بعنوان "العين الحارقة" برعاية موقع سحر الروايات، وأخرى بعنوان "ذل النزوح"، كما أصدر كتابًا ورقيًا بعنوان "المحبرة" يضم 250 خاطرة تناولت المشاعر الإنسانية وعلاقات الناس، ولاقي رواجًا واسعًا حتى وصل إلى الطبعة الثالثة وشارك به في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وفي بداية عام 2025 أطلق روايته الأولى المطولة "حتى دق الباب"، وهي رواية اجتماعية تتناول قضايا التعنيف الأسري، والزواج القسري، وظلم الطلاق، وسوء استعمال التعدد، وصعوبة التنمر، وغيرها من القضايا الإنسانية المؤثرة.


نال عبد المنعم تكريمًا من مجمع اللغة العربية في طرابلس في أكتوبر 2024 على كتابه المحبرة، إلى جانب عدد من اللقاءات الصحفية التي تناولت تجربته الفريدة. وعن الدعم، يقول: "بعد الله، دعمت نفسي أولا بالصبر وحضها على تقليد الآخرين... ولا أستطيع أن أنكر دعم بعض الناس بالكلمة والنصح والمساعدة، والغريب أن أغلبهم غرباء لم يسبق لي معرفتهم قبل أن أكتب."


يرى عبد المنعم أن الورش والدورات الكتابية ضرورية، شرط أن ترتكز على موهبة حقيقية ورصيد لغوي جيد، مؤكدًا أن "كلمة السر في هذا العمل هي الاستمرار حتى تتقوى للقلم عضلات المفردات وتصبح عظام البلاغة أصلب، لينعم جسد القلم بفيتامينات الإبداع."

ويرى أيضًا أن الموهبة لا تكفي وحدها، لكنها الأساس، وأن من يفتقدها تمامًا عليه أن يبحث عن مجاله الحقيقي، لأن "لكل إنسان مكان، والله لن يذر أحدًا من دون موهبة".




من أبرز اهتماماته تلخيص الكتب الكبرى، إذ يعكف حاليًا على تلخيص موسوعة "البداية والنهاية" للإمام ابن كثير، وقد أتمّ منها مجلدين يستعد لطباعة تلخيصهما قريبًا. كما بدأ منذ عام في تلخيص "تفسير الطبري" ووصل إلى سورة الجمعة، متمنيًا أن يطبع هذا العمل مستقبلًا. ويقول عن بداياته مع القراءة: "بدأت القراءة عام 2014 من كتب الكاتب أدهم الشرقاوي وقلدته في طريقته، ثم قرأت التاريخ السياسي والإسلامي لراغب السرجاني وأحببت أسلوبه وتفصيلاته."


أما عن تعدد المواهب، فيرى عبد المنعم أن الأفضل التركيز في موهبة واحدة لإتقانها، مستشهدًا بقوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}، إلا أنه لا ينكر أن بعض الأشخاص قد يمتلكون أكثر من موهبة أو وقت فراغ يسمح لهم بالإبداع المتعدد، كما حدث معه بعد الحادث، حيث انشغل بالتأليف والتلخيص وتعليم القرآن الكريم أونلاين.


طموحاته لا تتوقف، إذ يسعى لإصدار رواية جديدة بعنوان "السقوط إلى الأعلى" تحكي قصته الشخصية، إلى جانب طباعة تلخيص مجلدين من البداية والنهاية، وإكمال مشروعه في تفسير الطبري، وكتابة كتاب جديد بعنوان "الذوق" عام 2026، مستوحًى من كتاب رسائل من القرآن لأدهم الشرقاوي، متمنيًا أن يبارك الله إخلاصه في هذه الأعمال.


وفي ختام حديثه، وجه شكره لله أولًا، ثم لكل من أحاطوه بالدعم، قائلًا: "شكرا لله، شكرا عبد المنعم، شكرا للناس الطيبة الذين أحاطوني بكل اهتمام، وشكرا أصحاب مكتبات دار الوليد ومكتبة الشعب ومكتبة بستان العقل الذين وقفوا معي بقوة، وأيضا شكرا لمن خذلني وتعامى على ما أفعله لأنه زرع في التحدي."



أما نصيحته الأخيرة لكل قارئ، فهي أن "يستعن بالله ثم يهدأ ويتنفس جيدًا، ويتأكد أن الله لم يخلقه عبثًا، ثم يبدأ في مسيرة بحثه عن نفسه داخل نفسه أولا، ثم في عيون المحبين، وأن يجرب نفسه في أشياء كثيرة حتى يمسك موهبته، وألا يستغني عن نصائح المحبين العاقلين، وألا يتكبر بعد النجاح، لأن الدعاء هو السحر الحلال."


وفي ختام اللقاء، عبّر عبد المنعم عن امتنانه لـ جريدة غاسق قائلًا:

"شكرا لمن عرفني بكم ورشح اسمي لكم، ولا يوجد أجمل من خدمة الثقافة ودعم أعمدة الأدب وتسليط الضوء على من خاصمهم النور في زمن السطحية والرويضات والشهرة المجانية السريعة، فإذا كان اسمكم غاسق فإن فعلكم نور على نور."

الصحفية|إسراء الزهدي 

أنت الان في اول موضوع
author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع