حِـوار صحفي مع الكاتبة الجزائـرية: مريم حبحوب
الصحفيـة: خديجة محمود عوض.
في خِضم معارِك الحيَـاة وحروب الزَمن التي لا تكـف ولا تخمـد، يَخـرجُ لنـا جيـل مُسلـح بأسمىٰ أساليب الدِفاع، جيـلٌ لا يَهَـابُ العثَـرات ولا يؤمن بشيءٍ سوىٰ العزيمة والإرادة، يَعشق التحدي عِشقًا جمـا، و اليَـوم معنَـا إحدى عُظماء هَذا الجيـل، تِلك التي تُضيف جمالًا لِحروفِ لُغة الضَـاد الساميـة عِندما تَبوح بما يَدور في عقلها؛ فَهي استطَـاعت التألق بأحرُفها المُميزة في كَـوكب الأدب، فَـ هيا بِنا نَتعرف على مَن تَكـون تِلك المُبدعة..
_ فِي بِدايـة حديثنَـا، أود معرفـة نَـبذة تَعريفيـة عنـكِ.
-أنا مريم حبحوب من الجزائر
أبلغ من العمر 34 سنة متزوجة، و أم لفاطمة الزهراء، وخديجة الأمل لي
-متخرجة جامعية بتخصص علم الاحياء الدقيقة
-عملت بائعة صيدلية
كاتبة في أول الطريق
_ كَيـف اكتَشفتِ موهبتـك السَـامية، وما الذي فعلتيـه لتنميـة تِلك المـوهبة؟
-لا أعلم إن كنت قد ولدت مع الكتابة، أم أنها حلم كان في عالم المثل، وتضارب مع سماء الدنيا فسقط على أرض الواقع.
فلقد كان الوجد رفيع العماد، و الثاوي في حشاشتي، التي كانت كالعناة في ريب الزمان، إلى أن دخلت معرض الكتاب المقام في الجامعة، فقد سرحت بأنظاري في جميع العناوين الموجودة هناك ، استرقت النظر كشيطان من شياطين الليل، لكنه استقر عند كتاب ابراهيم الفقي "حياة بلا توتر " أحسست أنه يناديني...!
هذا الأخير قد قلب جميع الموازين في حياتي، كان كالصاعقة على مضغتي، والوابل على فكري، تملكني حين ذاك شعور بز عليه نوع من الخوف، و التحرر.
لقد أضفى على روحي، وكان بمثابة مفتاح باب لعالم مضيء _عالم حب المطالعة_في ذلك الوقت كنت إحدى الجهابدة في العلوم و الرياضيات، كنت أعشق المعادلات، والمسائل الصعبة، إلى جانب التراكيب و الصيغ الكميائية؛ لأن هذا ما أرادني عليه أبي المرحوم، فقد بذل جهده حتى أصبح طبيبة ، أو صيدلية ، وفته المنية، و كلماته تتردد على مسامعي في كل يوم و ليلة، متناسية ما الذي أرغب به بضبط، جاء اليوم الموعود، فكان كالشاهد و المشهود، دخلت غرفة صديقة لي، هي عاشقة كتب، أعارتني كتاب جبران خليل جبران بعنوان "رمل و زبد" ، لم أعلم أن تلك الحروف البكيئة والبزرة، ستهز من كياني، و تجعلني شغوفة بالكتابة لحد الثمالة، فقد أخذتني مأخذ الجد إلى عالم آخر غير عالم المضيء، عالم مزيج بين الأبيض و الأسود "أرومة الكتاب"، في ذلك الوقت لم أملك حتى ثمن للأكل، أو معطف أرتديه يقيني من برد الشتاء، وعناصر الطبيعة المتضاربة في بعضها البعض ،لم يكن لي هم غير كيف أجمع النقود لشراء بعض الكتب، لأهرب من واقع الفقر المظلم الذي خيب علي، فأنا لن أسامح الفقر أبدا، بدأت في تخفيض مزانيتي لشراء الكتب، و أي مزانية هذه...!؟
جمعت مبلغا لا بأس به لاقتناء كتاب "كليلة ودمنة"، حيث دام جمعها في ستة أشهر ! ولعت كثيرا بأسلوب كتابته و كيف لحروف سوداء أن ترقص على وقع ورقة بيضاء بهذا الشكل، وددت لو كنت حرفا من هذا الكتاب، حينها فقط أومأت لنفسي: "لما لا أسقي بحروفي السوداء على ورقتي البيضاء ، بأفكار خضراء، لعلها تكون كالطل في أرض جرداء؛ حتى تنير دربا، كان الغلس فيها مداج.
هذه الحروف كانت الرمح القاتل، فقد بخع كل خوف، وتردد نفس، وجذ كل سلب دون أي نوط منه.
لقد نبت الربيع على جدث أبي، أصبحت صيدلية كما أراد، راب الدهر و تخلصت من الفقر المدقع، اقتنيت كل كتاب أردته في زمن اللؤم و الشؤم ولم احضى به، كنت كالمتوحمة التي تشتهي كل شيء ولا تعبأ بأي شيء.
كنت أتجادل مع أمي في كل مرة أتسوق فيها، كانت تعايرني بمن هن في مثل سني، تعشقن الموضة، وتبحثن عن أزواج لهن، أما أنا كانت تقول لي أنني مجنونة أنفق أموالي على شيء لا نفع منه.
"نعم" لأن قبل كل ولادة حمل، فقد كان حملا ثقيلا علي، مع أمي.
جاء اليوم الذي كانت تنتظره أمي و دخلت القفص الذهبي، مرضت كثيرا، وأنا حبلى بابنت بطني، ابتعدت عن المطالعة، أصبحت فكرة أن أكون كاتبة، هباءا منبثا، ولدت ابنتي الأولى مريضة جدا، لم بشخص مرضها حتى الساعة، دائمة البكاء، وأنا لم أنم معها لعدة شهور ، فقدت الرغبة في كل شيء.
وذات ليلة كنت أشاهد التلفاز، وكانت هناك حصة تتحدث عن مشوار طفل مع الكتابة، و أهم مؤلفاته، تحدياته في الحياة، كان يسرد قصتي إنا و ليست قصته، كان إختلاف واحد فقط، أصبح كاتبا مشهورا، اقشعر جسدي و تسارعت نبضات قلبي، أحسست بالاختناق.
منذ تلك اللحظة قررت أن أتدارك الوقت، و انفض العجاجة عني، بدأت أجوس عن فكرة كيف أبدأ...
كانت بداية التفكير في حد ذاتها صعبة، كان هناك شيء بداخلي يحثني على المواصلة، شيء كان كصدى نفسي يشجعني بلا هوادة، كان يترد كل خوار يقف أمامي.
_ مَـا هي أفضَل الأسَـاليب التي تتبعينها في الكتابـة؟
-تنظيم الوقت هو أهم شيئ للكاتب،خاصة بين المطالعة، والكتابة اليومية، بحيث جعلتها روتين يومي، لا أخفيك كنت أقرأ كيف أصبح كاتبة؟ و طرق تفادي الأخطاء للكتاب المبتدئين، فوجدت أنه علي بإضافة مخزوني اللغوي، الى جانب أهم شيء في الكتابة هي الكتابة الجيدة دون أخطاء إملائية، و نحوية
_ يُقَـال أن المنتصـرون على العثـراتِ، هُم الأقـوياء، فمَـا العثَـرات التي واجهتـكِ وكَيف تغلبتِ عليهَـا؟
-كنت أسهر مع ابنتي المريضة، و أطالع في نفس الوقت، القراءة زادت من حماستي كثيرا، فبادرت في تعلم اللغة الروسية، حتى أنني علمتها لابنتي، أردت بذلك أن أبث في نفسها قوة الإرادة وعدم الرضوخ للمرض، كان دم موجع إلى جانب فقر مدقع، فلقد بعت أنا وزوحي كل ما نملك في سبيل شفاءها، لم تشفى و لم أستسلم، قررت المضي إلى الأمام، وكفى بالله وكيلا.
دائما ما أحببت الفلسفة، وقد أثار العقل فضولي، أردت أن أجمع بينهما، فكان لي ذلك، ألفت كتاب بعنوان "نظرة عامة حول ماهية العقل" : هو كتاب يتحدث عن العقل وكيف ربط الفلسفة بالدين، لكن يبقى هناك سؤال مهم أين لي بالمال حتى أدفع حقوق دار النشر ، فكان أول شيء أقوم به هو ان أبحث على دار نشر مناسبة، وكان موقع التواصل الاجتماعي هو الحل الامثل...اتصل بي رئيس دار نشر فهرنهايت، وامضيت عقدا لمدة عامين معها، شجعني كثيرا، وأثنى على الأسلوب الذي أكتب به، قفزت من شدة الفرح، وما خاب من جد واجتهد، فثابر ونجح.
فرحتي أنستني ليالي الدجى و أنا أضم إبنتي المريضة إلى صدري ، فقد تبدلت دموع الشجا إلى دموع الفرح،
ولدت ابنتي الثانية مريضة هي أيضا ( مرض السيلياك) عانيت معها كثيرا، الاختلاف الوحيد بين أختها أن زمان فيروس كرونا ولى وانتهى، زاد الفقر من حدته و الامراض منتشرة في عش الزوجية...
_ في حياة كُل مِنا شَخص قَـادر علىٰ المواسَـاة في المِحـن، فَمن الـذي ساندك في كل مرةٍ سقطتِ فيها؟
-زوجي كان أول من ساندني وثق في موهبتي، كان على دراية تامة بأني كاتبة لا مثيل لها، كنت كلما أكتب نصا، أقرؤه على مسامعه، كان الأذن الصاخية لي، يحفزني بشدة، كما لا أنسى زوجة أخي أميرة، كانت كالحامية لأفكاري و المؤنسة لها، فكنت كلما أحس بالإحباط أجدها، باذخة بابتسامتها، و كلماتها الرقيقة التي تبعث فنفسي الأمل، والتفاؤل، فأحيانا أجعلها تستيقظ ليلا حتى تبدي رأيها في كتاباتي. لا أنسى دور التلميذة إيناس فهي مليئة بالحيوية و النشاط، هي أيضا عاشقة كتب، و صاحبة رأي سديد، فحديثي معها عن الكتاب و المؤلفين يعطيني جرعة كبيرة من الحماس و الأمل، الذي يكفيني للدهر حتى لا أمل، ولا أتعب
فأنا أشكرهم من أعماق قلبي.
_ كَيـف تتأكـدي أن عَملك دقيق و واقعي؟
-المراجعة ثم المراجعة ثم المراجعة، أكيد أطرح كتاباتي على مدقق لغوي، ثم القراء، لأن الكلمة الأولى والأخيرة لهم.
_ شَـاركينا أكثَـر نَص أدبي تُحبينَّه من تأليفك.
-للحياة كتاب
كتاب عنوانه بعبق الأزهار...!؟
يصبو بالأفكار في سبيل الإزدهار...
التضحية أوله ، و الوهم ٱخره...
قلم طموح يغوص بحروفه في الأوراق ، كما تغوص السفينة في الأعماق...
كلماته بمداد بحر ...
يقول : "ليس كل سقوط فشل"
"و القوة لا تأت إلا بعد تعب "
"و الألم يكون فيها عن كثب "
لو لا وجود الإحباط لما كان للعزيمة بساط...!؟
وعندما يرقص الأمل على مائدة العمل بموسيقى سمفونية حينها فقط يصاب الجهل بوعكة النجاح ...
و تكون حروفه من زجاج ؛ لتحطم بذلك تحالفا كان أجاج ...
فلكل حفرة حينئذ مفتاح !
المفتاح كأنه مصباح !!
مصباح مكتوب عليه "من أراد العلى ، تخلى عن التشاؤم ، و حاربه بالتفاؤل"
ثم رفع راية التحدي ، و كتب عليها "الحياة لعبة ضدي، لكن القمة وجهتي".
_ أصبَح النَشر الإلكتروني مُتاح لِكُلِ كاتبٍ الآن، هَل تُفضلين نَشر أعمالِـك الأدبيـة ورقيًـا أم إلكترونـيًا، ولماذا؟
-أنا لست ضد النشر الإلكتروني خاصة في وقت هذا، لأنه الأسهل، و الأسرع، وأهم شيئ غير مكلف، لكني أفضل النشر الورقي، لأن الكتاب الورقي يبقى دائما المرشح الأول عند القراء( لمسه، ريحته) تبعث على طمأنينة نفس و راحة بال.
_ مَـن كَاتبكِ المُفضَـل ؟
-جبران خليل جبران
_ مَـا رأيكِ بِجريدة "غَـاسِق" الأدبية، وما رأيكَ في الحِوار؟
-حوار يلمس روح الكاتب و يجعله يفصح عن أشياء لم يكن يعلم أن ذات أثر على سيرته ككاتب
أشكركم جزيل الشكر.
تعليقات
إرسال تعليق