رواية|دار خولة
الكاتبة|فاطمة الزهراء أبو العمرين
المدققة| شَمم المحمد
تصميم الغلاف|مريم طارق
قراءة في رواية: دار خولة للكاتبة بثينة العيسى.
"أن تأتي متأخراً أسوأ أحياناً من ألا تصل." على لسان أحد شخوص الرواية.
أُفكر في عاقبة أن نتأخر أكثر ونحن غارقون في مكان يستدعي اسماً أدنى بكثير من الحضيض، وأتذكر أن الشؤم مغبّة ومدعاة للقذف الرهيب، فأعود أدراجي للأمل المنبعث من نفرٍ واحدٍ ليس له صوتٌ بين ألف آخرين يملؤون الدنيا زئيراً وأقول: مازال الخير في أمتي، قبل أن تلطم وجهي الصراعات الثقافية، الوجودية، والأخلاقية التي لم نعد نفهم منها أي شيء!
وأتساءل بدوري: هل انحدرت لغتنا جميعاً؟ أم تقلّص الفهم؟ أم أنَّ العالم الجديد يجعلُ كلَّ شيء جديداً حتى دستور المروءة والأخلاق!
تدور الرواية حول بيت متنامٍ في الفُرقة، متداعٍ في الألفة
لا يشبه أفراده بعضهم بعضاً، ولا يعرفون أنهم يلومون بعضهم على ذلك أيضاً!
والبطلة الأم ضحيّة الحلم الأبيض، والثقافة المطلقة، والوعد المبجل، والتي حين صَحت من غفلتها وجدت نفسها بصحوتها قد تخلّفت، وسبقتها كل الدناءات الفكرية فجلست بلا شيءٍ على مصطبة بلورات ذهنية إصلاحية كانت لتوقظ أجيالاً كثيرة من الوقوع في الخطأ!
لكنها تَعرِضنا أمام التساؤل الذكوري الأهم، والذي تحوّل فيما بعد إلى ظاهرة اجتماعية تهم كل فرد:" كيف تقوم امرأة بيتها خرِب بنصحنا في بيوتنا؟ وكيف لا يلتهي رجل البيت الذي خسر زعامته باستعادتها؟"
فهل كان أحدنا ليقبل نصيحة أحد سبقه في الإدراك والخراب؟ لقد غرقنا جميعاً في الاستنكار، وتلذذنا بالاختلاف دون أن نتبين فيما إذا كانت هذه النسخ هي نسخ منّا فعلاً، أو إن كانت أفكارنا المختلفة أفكارنا فعلاً!
في الرواية التي لا تتعدى التسعين صفحة تقودنا الأستاذة بثينة العيسى طواعية إلى التساؤل الاستنكاري الذي ينتهي باستيعاب بطيء مؤلم، ينبئنا بما آلت إليه غوغاء بيوتنا ولوثة عقولنا وعطب قلوبنا!
(خولة) البطلة الأم فشلت قبل تذوقِ أمومتها، ونجحت في أن تكون كل نواياها الحسنة الطيبة مدعاة لجعلها محط سخرية! وهذا حقيقي، في حين وعَينا على حق الابن على أبويه.. غفلنا عن الطُعم الزائف وأُزيح حق الأبوين دون انتباه!
تكره خولة أمريكا لأن الإنسان إذا ضاع؛ بحث عن شماعة تلتقف أسباب تيهه، كانت أمريكا سبباً لكنه سبب موجود قبل أن نولد. وإذن كنا الإسفنج الطيّع الذي يجعلنا المتسببين الأكبر فيما نحن فيه!
لديها أبناء ثلاثة، والمجتمع، ولا يرحمها أيُّ طرف لكنها لم تكن لتعترض حين تكون بدورها غيرَ رحيمة بنفسها!
يعيش الأبناء ثباتاً متقلباً، وتعكس سطور كثيرة عناء الخيبة والترقب والأمل. كيف يظل الأهل مترقبين لابن لهم فقدوا فيه الأملَ دون أن يغنيهم وجود إخوته وإن جلبوا المريخ في طبق. نقول: حق الآباء، ونقول: ما ذنب الأبناء؟
تماماً! لقد حاولت خولة وأملت أن ابنها سيفهم حين يكبر، لكن ابنها عاش ضحية ولم يفهم سوى الرفض! كانت تنتظره، وكان ينتظرها، كانت تحبه وكان يقضي وقته في التخلي عن أمه لأنها لا تحبه! خسرت الأم ابنها، وخسرت معه رجولته وأمومتها والذنب على عاتق أمريكا بالطبع!
يظلُّ السؤال عالقاً، حين جاء الرجل الأبيض مُحرراً واستجبنا لارتيابنا الأول، كيف بعدئذٍ راودتنا النفس أن ننصاع للاستعباد المزخرف؟ للغة معوجة وجينزات ضيقة وصبغات فاقعة وألفاظ اصطلاحية لم نسمع بها يوماً!
على الأرجح كان الشرق مظلماً، والغرب يسعى ليكون نوراً، وفي حين أننا نبحث عن نور الشمس نسينا أن ندرك أن الضوء المنتشر ماهو إلا أضواء ديسكو!
ثم أصبحت حياتنا بأكملها ديسكو...
إن كان لي أن أُثني، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف والسيدة بثينة العيسى تملك تمام القوة، والدليل الكلمة!
أما ما أريد أن أنتهي إليه فهو أننا، وعلى سبيل المثال لا الحصر في غزة، ذروة الحرب التي أجد أنها تمنحنا فوق الخلائق ميزة، مهما كانت محرقة.
وقعنا كما الجميع في الفخ، لكن العودة إلى الصفر فرصة أيضاً، وفي أثناء الموت جوعاً ربما علينا أن نؤمّن لأنفسنا مستقبلاً ليس انسلاخياً في حال عشنا بعد ذلك سنوات طِوال!
ونحن اليوم أقدر من غيرنا على استنباط الفخاخ وتجنب المصائد، بل إننا نقدر أيضاً أن ننقذ غيرنا.
أحسبُ أن العفن الذي خرج كافٍ تماماً، ويمكن أن يُذيّل بمبرر: عازة الحرب، ضرائب الموت.
لكن الليل يوشك أن يحين آخره، وإذن فعلينا التجهز للآتي. والآتي أكثرُ وخامةً، ماذا لم نرَ بعد؟ الانسلاخ المطلق والطمس المطاع.
إنهم يسقطوننا بالجوع، وغداً ينهضوننا بالذي يشاؤونه، وفي حين تهتز العقيدة فما الذي قد يجعل المبادئ وطيدة؟
من دواعِي بزوغ الفجر وزوال الظلمة أن نثق بنور الشمس، وأن نصبر مع تحضُّرٍ واستعداد للنهوض اللامع، فسينقذنا الله، وسيكفينا الله
أفلا نخجل أن نُشبه كل شيء إلا ما يرضاه؟
فاطمة الزهراء أبو العمرين|جريدة غاسق.


تعليقات
إرسال تعليق