المَلاذُ الأَخيـر
الكاتبه|خديجة محمود عوضالمصممه |ندي محمودالمدققه|نوال نايف الكردي
في الحادية عشرة والنِصف قبل منتصف الليل.
حَزيـنٌ، أرهقَت كواهلَـهُ الأثقـالُ وتراكَمَت علىٰ صـدرهِ الأكـدارُ، حتَّىٰ غدا كَجلمودٍ تتكسَّـرُ عِـندهُ العـواصفُ وتتناثرُ دونهُ النَّوائب، لَـم تَعُـد الوغىٰ تُزلزلـهُ، ولا قعقعةُ السيوفِ تُفزعـه؛ إذ بَلغَ الغايَـةَ القُصوىٰ ممّا تُفضي إليهِ الانكساراتُ حين يستكينُ المرءُ لها استكانةً خافتةً، باردةً، لا ضجيجَ فيها ولا أنين..
ساكـنٌ، لا تُثيرُهُ الجَلَبَةُ ولا تستفزّهُ الضوضاء، كأنّه ارتقى فوق صَخـبِ الدُّنيا بما فيها، أو كأنّه أَلِـفَ الإصّغَــاءَ إلى صمتِه الباطنيّ أكثر من كلِّ صَخَبٍ خارجيّ.
غدا مُحيّـاهُ كصحيفةٍ مُطفأةٍ، تُنسَجُ فوقها خُطوطُ الدَّهرِ وندوبُ الخُذلان.. عيناهُ تُفصحان عن مَرويَّاتٍ لا يجرؤُ لسانُهُ على بَوحِها، وملامحهُ أشبهُ بمدينةٍ خَرِبةٍ هجَرها أهلُها، ما بَرحَت قائمةً في موضعها، غير أنّ الـرُّوحَ قد انسلَّت من جنباتها.
هو الآن بين أنقـاضِ ذاتـهِ، يتأمّلُ الوجودَ بفتورٍ غريـب؛ فَلا الفَتحُ يُغريـه، ولا الانكسارُ يُروِّعه، كأنّهُ تدَرّبَ على التَّجلُّدِ حتى صارَ التَّجـلُّدُ طِبـاعَه، والجِمودُ مَلاذَه الأخير، حتَّى غَـدا كتمثالٍ من حجـرٍ، يُحدِّقُ في الفـراغِ بعينَيْ إنسانٍ كانَ يَومًـا يضـجُّ بالحياةِ.
تعليقات
إرسال تعليق