أنا طفل من غزة هل يسمعني أحد؟الكاتبة|ملك محسن محمدالمدققة|شمم المحمدالمصممه|مروة صلاح
أنا طفلٌ من غزة، لا أعرف كيف أشرح لكم ما يسكن قلبي فالكلمات تهرب مني قبل أن تصل إلى لساني
وكلّ ما أعرفه أنني خائف.
خائفٌ من الليل حين يسدل ستاره، ويغزو الظلام والسكون المكان من دون سابق إنذار.
أسمع صوت التفجيرات وهي تهزّ الأرض من تحتنا
وننتظر دورنا في الموت؛ فالموت هنا لا يأتي فجأة، بل يتربّص بنا كقدرٍ مؤجّل.
وأخاف من النهار حين يصرخ
حين يخترق صراخ السكان جدران البيوت، وحين تصرخ أمي وهي تحتضنني وتهمس: "لا تخف"
كيف لا أخاف وأنا أرى الدموع تملأ عينيها؟
دموعًا لا تُخفيها الكلمات، ولا يُجفّفها الرجاء.
أخاف من صوت الطائرات، من هديرها في السماء
من الدخان الذي يغطي الأفق
من نارٍ تلتهم المباني وتحوّلها إلى رمادٍ يتناثر مع الريح.
قولوا لي، كيف لا أخاف؟
وأنا طفلٌ صغير، ومن في مثل عمري يلعب ويلهو، يضحك من دون خوف، وينام دون بكاء.
كنت أحب اللّعب، أحب المدرسة، أحب أن أركض خلف الكرة وأنا أضحك، أما الآن.. أركض خلف الحياة، خلف الأمان، خلف حلمٍ لا يُدرك.
بيتنا لم يعد بيتًا، صار خيمةً من قماشٍ ممزق، لا تقي بردًا، ولا تحمي من قصفٍ لا يرحم، وأبي، أبي الذي صار وجهه شاحبًا كأنما يحمل مئة عام من التعب، يبحث عن رغيفٍ لنعيش، وعن دواءٍ لشفاء أمي، وعن أملٍ يقول لنا: "سينتهي هذا قريبًا".
لا أنسى تلك الليلة
كنت نائمًا بجانب أمي بسلام، وفجأة دوى صوتٌ كأنّ السماء تسقط علينا، اهتزّ المنزل، وارتجف قلبي
صرخت أمي، وفزع أبي، ركض ليرى ما يحدث، واحتضنتني أُمي بقوّة، لكننا لم نكن نعلم أنّ ذلك الظلام سيخيم علينا سنينًا، حتى يأذن الله بالنور.
كانَت ليَ أحلام -كأيّ طفلٍ في هذا العالم-
كنت أحلم أن أكون طبيبًا، أداوي الجراح، وأرسم الأمل على وجوه الناس.
لكنّ الحرب سرقت مني كل شيء.
سرقت أحلامي، ودفنتها تحت الركام
وأحلام أطفال غزة باتت في مهبّ الريح
تتبعثر كلّ يوم، ولا أحد يجمعها.
فقدت خالي، وصديقي، وكل من أحببت.
وحين سألت عنهم، قالوا لي: "استُشهدوا"
لكنني لا أفهم مغزى هذه الكلمة
هل تعني أنهم لن يعودوا؟
لن نلعب بالكرة؟ لن نضحك؟ لن نتشاجر؟
كل ذلك انتهى.
لن نجلس على تلك الصخرة التي كنا نخطط فوقها لأحلامنا
ولن ننام بجانب الأقصى، على الأعشاب
ننظر إلى السماء، ونخمّن أشكال الغيوم؟
كلّ ذلك انتهى.
أما مدرستي التي كنت أحب الذهاب إليها، لم تكن مكانًا للدراسة فقط، بل كانت ملاذًا آمنًا.
كنت أضحك هناك من كُلّ قلبي.
أكتب، أتعلم، أعيش لحظات من الطفولة.
لكنّ المدرسة تهدّمت، والكتب احترقت، والمقاعد تكسّرت.
اشتقت إلى جملة معلمتي: "أحسنتَ يا آدم"،
كانت تجعلني أطير من الفرحِ كأنّني فعلت شيئًا عظيمًا، كأنّني امتلكت العالم.
الخوف يسكن قلبي كما يسكن الليل المدينة
ومن رحم الحرب أستغيث بكم.
أحنّ إلى يومٍ لم أعشه
إلى صباحٍ لا يوقظني فيه صوت القصف
إلى نافذةٍ تطلّ على شجرة، لا على دخان
أحنّ إلى ضحكتي التي ضاعت
إلى لعبتي التي احترقت
إلى حضن جدتي الذي غاب خلف الركام.
أكتب لكم من قلب الخوف
من بين الأنقاض، من تحت التراب
أكتب لأنني لا أملك شيئًا سوى الكلمات
ولا أعرف كيف أصرخ، فصوتي صغير، لكنّ وجعي كبير.
أيها العالم، هل تسمعني؟
أنا طفلٌ صغير، لا أريد شيئًا سوى أن أعيش.
لا أريد ألعابًا، ولا هدايا
فقط أريد أن تتوقف الحرب.
لماذا لا أحد يوقفها؟
لماذا لا أحد يحمينا؟
نحن أطفال، لا نعرف السياسة،
ولا نحمل السلاح،
نحمل فقط أحلامًا صغيرة، وقلوبًا ترتجف من الخوف.
أكتب لكم من تحت الركام،
من بين الدخان والدموع،
من بين جدرانٍ كانت يومًا بيتًا
وصارت الآن شاهدًا على الألم
أرجوكم لا تنسونا، لا تتركوا غزة وحدها.
نحن بشر، لنا قلوب، لنا أحلام،
لنا حق في الحياة،
أرجوكم أوقفوا الحرب.
أنا طفلٌ من غزة
صوتي ضعيف، لكنه مليء بالألم
هل يسمعني أحد؟
هل من قلبٍ حيّ يشعر بنا؟
هل من يدٍ تمتد لتوقف هذا الجنون؟
أنا لا أريد أن أموت
أريد أن أعيش، فقط أعيش.
أيها العالم
أين أنت من غزة؟
أين أنت وأهل غزة يموتون جوعًا؟
أين أنت وكل يوم يُقتل فيه الآلاف؟
أين ذهبت قلوبكم؟
لماذا لا تنجدونها؟
لماذا لا توقفون هذه الحرب الشنيعة؟
هل ستسمحون للمحتل أن يأخذ أرضًا من أراضي العرب؟
هل رضيتم بذلك؟
هل قبلتم الاستسلام؟
وأهل غزة يتوسلون إليكم
وأنتم قلوبكم كأنّها ليست في صدوركم.
عالمٌ بلا قلب
يرضى بالذلّ والهوان
يرى القتل، ويسكت
يسمع الصراخ، ولا يتحرك.
ينتظر الهلاك، والمحتل يتلذذ بموتنا.
لكنني أعلم أن ربّي سينصرنا
سيجيب دعاءنا، ويرحم شهداءنا، ويشفي مرضانا، ويعيننا في القريب العاجل.
ستعود فلسطين كما كانت، حرّة أبيّة، لا ترضى الخضوع
وكل من انتظر هلاك غزة
وتعاون مع أعدائنا
سيُسأل: أين ستذهبون بوجوهكم من فلسطين؟
سترجع كما عهدناها أرض الزيتون، وقبة الصخرة،
يا عالم، أفيقوا من غيبوبتكم
ألا ترون؟
ألا ترون أنّ المحتل يستولي على الشرق شيئًا فشيئًا؟
كم مرة رأيتم صحفيًا يُقتل،
ويُيَتَّم أبناؤه، ويترك أهله؛ ليوصل صوت غزة إليكم
وأنتم واقفون، لا تريدون الحراك.
أين ضميركم؟
أين النخوة؟
أين الأخوّة؟
أنقذوا ما تبقّى من غزة
كيف تعيشون بسلام، وغزة تعيش في العناء؟
يا لكم من عالمٍ غادرٍ خائن.
يا عالم، أيقظوا ضمائركم
لنجدة شقيقتكم أرض الزيتون

تعليقات
إرسال تعليق