سارة طوبار
الصحفية: سارة عبد المنعم
"وصل" التي أخذت الكتابة في منحى آخر.
كتبت: سارة عبد المنعم
حوار مع ملهمة مصرية، الأستاذة سارة طوبار
فكرة متميزة، تفرد أشعلت مسراجه الأستاذة سارة طوبار، حديثنا كيف نشأت وصل؟، وماذا تعني؟
استخدام الكتابة للتعافي فكرة ليست جديدة، بل هناك العديد من المهتمين بتقديمها في أطر مختلف، أعتقد ان ما يميز وصل هو السياق، منذ أن ظهور الفكرة وأنا حريصة على خلق بناء متماسك للتدريبات الخاصة بكل مستوى، فأصبحت كل ورشة تدور حول معتقد محدد، أو مجموعة مواضيع مرتبطة ببعضها، تؤدي في النهاية لرؤية واضحة أكثر، ووعي أكبر يمكننا من وضع تجارب الحياة في سياق يساعد على النمو والنضج والتطور.
نشأت وصل كفكرة في منتصف ٢٠٢٢، حين قررت اخذ أجازة طويلة من العمل الحكومي، قضيت في الوظيفة ستة عشر عاما، الروتين لا يناسب طبيعتي، لم تكن هناك مساحة للإبداع، وإنما الكثير من الطاقة المستنزفة، وخطط لا تتحقق، كنت بحاجة لبديل واضح، مسار آخر غير العمل الحكومي يتوافق مع مهاراتي وقيمي الأساسية في الحياة كالنمو والتطور والإبداع والمشاركة والجدوى.
ولأن الكتابة رفيقة عمر، كانت هي المسار الذي تمكنت من مده للأخرين لنتشارك معا سبل التعافي والنجاة من دوامات الحياة المرهقة.
أما عن معنى "وصل" قصدت بها الصلة والعلاقة التي يمكن أن تقيمها الكتابة الذاتية بين الفرد وذاته، أن يسمح لمشاعره وافكاره أن تخرج عبر القلم للورق، ليرى نفسه بوضوح، ليفهم ما الذي يدور بداخله دون خوف أو أحكام، إنها العلاقة الأمثل التي نحتاج إليها جميعا لنشعر بالثقة والراحة، والإتزان والسلام.
الإنسان يتكون من عقل وجسد وروح، يُغذي العقل الفكر، والجسد يُغذيه الطعام، فهل الكتابة الذاتية تساعد المرء على الاتصال بروحه، ولا غنى عنها؟
في رأي أن الكتابة وصل بالداخل وجسر للخارج، لأنها تمكن الأشخاص من التواصل مع أنفسهم، تدعوهم للتأمل في معنى الحياة، تساعدهم على تحليل ما يحدث لهم واستيعابه، ولأن "من عرف نفسه عرف ربه" فالقرب والوصل بالنفس هو طريق ووصل بالخالق أيضا، أكتب إلى الله باستمرار، هذا يجعلني على صلة دائمة به، أسأله كل ما أريد، وأشكره على كل ما وهبني، وأشكو إليه وأبوح يغضبي وحزني، وأثق أنه يسمع ويرى، بالإضافة لأن لكل منا منظوره الخاص عن الإله الذي يتوجه إليه بقلبه، وإعادة اكتشاف هذه العلاقة الفريدة أمر ضروري.
بالنسبة لي الكتابة لا غنى عنها بالطبع، لأنها أداتي للتعامل مع ما لا يمكن فهمه، وما لا يمكن احتماله، تساعدني الكتابة في الاتصال بحقيقتي الأصيلة المبدعة، الخالية من شوائب التربية، وعادات المجتمع، أنقي بالكتابة روحي من صخب العالم، آثار الأخبار والحروب التي يتم تداولها عبر السوشيال ميديا أو حتى عبر الأشخاص الذين ألتقيهم خلال يومي، لأن كل هذا يملأ أنفسنا بالشك والسخط، إذ لم نكن واعيين بضرورة التحرر منه قبل النوم بالكتابة، سيتوحش ويلتهمنا يوم بعد الأخر، فلا يبقى منا سوى العجز والغضب.
"ما بعد وصل وقبلها"، كيف هي الحياة في نظرك؟
ما قبل وصل، كان لدي أسئلة كثيرة عن الجدوى من الحياة، عن النفع الذي يمكن أن يمر من خلالي، لماذا خلقت وما الذي أفعله هنا؟ وما أهمية وجودي؟ كان لدي شك حول عملية التغيير والانتقال من حال لآخر.
الحياة بعد وصل تسير في مسار واضح ومحدد، اعرف ما الذي أفعله هنا، تعرفت على ذاتي بوعي مختلف، اكتشفت قدراتي وطورت مهارات مهنية وشخصية، تتضح قيمي وتحدد أولوياتها مع مرور الوقت، أعرف الآن رسالتي بوضوح؛ مشاركة سبل النجاة، وأدلة الطريق، الأدلة التي عشتها وأختبر نفعها، ربما ترشد غيري للوصول والوصل بأمان وبيسر.
سارة طوبار حيث وصل، سارة طوبار تتحدثين عن أهمية الكتابة الذاتية، هل كانت الكتابة الذاتية وليدة اللحظة أم أنه تخطيط منذ سنوات؟، وما المكانة التي تطمح إليها وصل؟
كتبت منذ طفولتي، ورافقتني الكتابة سنوات عمري سرا وعلانية، قبل الكرونا عملت كمدربة كتابة إبداعية بالتعاون مع العديد من الجهات، وقبل ظهور وصل بأشهر قمت بالتدريب في ورشة #ابيوز مع دار هن للنشر والتوزيع - الجزء الخاص بالتعافي بالكتابة - كانت بداية اهتمامي بالكتابة الذاتية، بحثت عن مصادر لدراستها لاتقان ممارستها، أتاح لي البحث الانفتاح على مناهج مختلفة ومتنوعة، ومنها أدركت أهمية استخدام الكتابة كأداة للوصل بالنفس وظهرت "وصل الكتابة الذاتية".
أطمح أن تصبح وصل جسرا للأخرين، جسر يمتد بهم للجانب المشرق من الحياة، الجانب الأكثر لطفا وهدوءا، أطمح أن تصبح الكتابة الذاتية أداة في يد كل انسان يشعر بالشك أو باللاجدوى، أو يغرق في حزنه ويتوارى خلف غضبه، لأني كنت هناك ومررت بكل ذلك، لكن هنا والآن أنا على الجانب الأخر حيث الطمأنينة والسلام، الكتابة تساعدني كل يوم في التجذر والاستقرار حيث أنا.
أطمح أن تساعد وصل الأفراد في كتابة قصصهم الشخصية، واخراجها من صناديقها المغلقة، للشمس وللنور وللحياة، كتابة قصصنا تساعدنا على التخفف من وقعها، وإدراك المعنى من حدوثها، ومشاركتها يجعلنا نشعر بالجدوى.
يؤرقنا الماضي ويشغلنا الحاضر ويقلقنا المستقبل، فكيف تساعدنا الكتابة الذاتية على التحرر من الماضي، ونسيان الحاضر والأمل في المستقبل؟
للكتابة الذاتية تقنيات كثيرة متنوعة، كل ما في الحياة يمكن الكتابة عنه، كل ما نعيشه وما نشعر به يمكن تحويله لكلمات، كل ما لم نبح به ثمة لغة يمكنها وصفه بدقة، فقط لو سمحنا للقلم بالسريان على الورق، يمكن الكتابة عن الذكريات والتحرر من المشاعر المخزنة بداخل أجسادنا لسنوات، البوح يخفف أثرها، كتابة قصصنا تساعدنا على النمو ومشاركتها مع الأخرين يلبي احتياجنا للتعبير والإبداع والمشاركة والشجاعة.
يمكن ملاحقة الحاضر بأحداثه أولا بأولا، الكتابة اليومية تفرغ النفس من الشوائب التي تعلق بها أثناء الركض اليومي في الحياة، كما أنها أداة لمراقبة تطور الاستجابة؛ مانشعر به ونفكر فيه، وإدراك ردود الفعل التلقائية والعفوية والتغيرات التي تحدث فيها.
يمكن الكتابة أيضا عن المستقبل، عن صورتنا الذهنية التي نحب أن نصل إليها، تدريبات عن الكتابة عن التصورات البديلة لأنفسنا ولما نحب نصبح عليه تخلق مسار واضح، مما يسهل علينا اتخاذ خطوات محددة للوصول لما نسعى إليه.
ومن هنا أوشكت رحلتنا على الإقلاع، انتهت جولتنا مع ضيفة مميزة الأستاذة سارة طوبار، وحكاية ورشة وصل للكتابة الذاتية، التي أثمرت ورودًا وأزهارًا في حياة الكثيرين، وما زال الأثر مستمرًا.
تعليقات
إرسال تعليق