القائمة الرئيسية

الصفحات

أمنية ملطخة بالدماء

منى محمد 

في التاسع والعشرين من أكتوبر لعام الألفين وثلاثة وعشرين تمر أمام أعيننا الوقائع المنكوبة في الجريحة فلسطين وشعبها،  اليوم تنزف القلوب قبل أن تدمع العيون، ونشعر وكأن العالم بأكمله قد تخلى عنا، ولكن لا يهم أصواتنا لن تصمت، ولن نرحل عن وطننا، أنا "حمزة" بطل من أبطال غزة بقيت لمدة أسبوع دون غذاء، ومنذ فترة ونحن نشرب الماء المالح، أشعر وكأن أمعائي أصبحت تشبه الأسماك المملحة التي نتناولها في الأعياد، وأي أعياد نشعر بها نحن في فلسطين، لكن ليس هذا المهم؛ المهم أن أخبر العالم أن هناك طفلًا كبقية أطفال غزة يحلم أن يحيى حتى الغد أو إلى ما بعد الحرب، ويحقق أحلامه كبقية أطفال العالم، ليتني أصبح طبيب يداوي جرح غزة العزيزة، أريد أن أخبر العالم أن هناك طفلًا يرسم كل يوم صور لإخوانه حتى لا ينسى ملامحهم؛ أن قتلوا واستشهدوا يريد أن يظل يتذكرهم حين يكبر، آهٍ منك يا حمزة أتظن أنك ستعيش وستكبر؟ كم أنت طفل ساذج، أهذه أحلام يا حمزة تتمنى أن تحدث، يكفي أن تحلم بأننا نجتمع كلنا أطفال العرب وفي أيدينا أغصان الزيتون؛ فنتوضأ من أنهار بلاد الرافدين، ونطوف المسجد الحرام في مكة، ونجتمع مصلين بين أحضان الأقصى، لو يعلم جميع العالم كم الألم الذي أحمله في ثنايا قلبي، لاخترقوا جميعهم حدودنا حتى ينتزعوا هذا الألم من بين ضلوعي، 

آهٍ منك يا "حمزة"، أما زلت تظن أن أحد سيأتي؟

وأخيرًا أريد أن أخبركم سرًّا من أسرار أمي قبل أن تستشهد وتتركنا؛ كل ليلةٍ تجمعنا وتشير إلي لتُعلم إخواني الصغار فأنا أكبرهم سنًّا صاحب الثامن سنوات، فتقول هيا فلينصت الجميع ردد يا حمزة حين تسأل من أنت قل لهم:- أنا البطل حمزة الشهيد ابن الشهيد حفيد الشهيد، من نسل الشهداء، من أرض الكرماء، ابن فلسطين والمسجد الأقصى، ابن غزة وسأظل هكذا سواء تم قتلي الآن أو حين أكبر؛ فدمائنا فداء تراب أوطاننا والعيش إما هنا أو فقط إلى الجنة، 

وفي النهاية أريد أن أقول لكم شكرًا لكل من خذلنا، لكل من تخلى عنا وصم أذنيه كأنه لم يسمعنا، شكرًا من كل قلبي وأرجو أن تكتب تلك الكلمات على كفني، ولن أقول كعادتي في كل كتاباتي إلى اللقاء مرة أخرى، ربما لم يبق لقاء في الغد ولن تكون هناك مرة أخرى، وأصبح أنا البطل الشهيد الحالم بأن يصبح طبيب حمزة، 

بالأمس قتل حمزة ووجد في قبضة يده رسالته الأخيرة وصورًا لإخوانه الكوفية الفلسطينية وعلم بلاده المحررة قريب بأمر الله، جميعهم ملطخين بالدماء، واليوم استشهد جميع إخوانه وهم يحملون صورته بين كفوفهم الصغيرة، هكذا حال فلسطين الأبية وشعبها الصامد المكافح شهداء يودعون شهداء ويسعفهم شهداء ويطيب جراح مصابيهم شهداء، وكأن الله اختار أن يكون في الجنة دول فلسطين أخرى غير التي بيننا هنا على الأرض؛ تكريمًا لهم. 

منى محمد|غاسق

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع