صفاء رزق النباهين

القائمة الرئيسية

الصفحات

 صفاء رزق النباهين.. من حصار غزة إلى مدن الورق

الصحفية|إسراء الزهدي 


في قلب غزة، حيث تختلط رائحة الدمار بصوت الحياة، تبرز موهبة شابة صنعت من الألم نافذة نحو الأمل. صفاء رزق النباهين، المقيمة في غزة، تروي لنا رحلتها التي بدأت من الصفر حتى أصبحت واحدة من الأصوات الأدبية الصاعدة.


تعريف بالشخصية:

تخصص صفاء في التعليم الأساسي، وتحديدًا تربية الطفل، لم يكن مجرد مسار أكاديمي، بل نافذة فتحت أمامها عوالم الطفولة. هذا المجال منحها فهمًا عميقًا للأطفال، وهو ما استثمرته لاحقًا في مبادرتها معهم. وتؤكد أن موهبتها الأساسية تكمن في "تحويل الألم إلى فن، وصياغة الحكايات من قلب الواقع القاسي"، مشيرة إلى أن ما يميزها حقًا هو اعتمادها الكلي على ذاتها، حيث لم تنل أي دعم خارجي، بل طورت نفسها بالقراءة والاطلاع والبحث المستمر.


البدايات:

عن بداياتها، تقول إنها انطلقت من "بذرة صغيرة زرعتها بنفسها"، فلم يكن هناك صالون أدبي أو ورش عمل، فقط قلم ودفتر وشغف بالقراءة، خاصة للأدب العالمي المترجم. ومع الوقت، تحولت هذه البدايات إلى رحلة صراع فردي ضد المعوقات، وصعود متدرج عبر الانضباط الذاتي والكتابة اليومية. كل نص كتبته كان خطوة، وكل كتاب قرأته كان معلّمًا جديدًا.


النقلة النوعية، كما توضح، جاءت مع نشر أعمالها الخاصة، وخاصة حين أطلقت مبادرة "قراء صغار" خلال الحرب، حيث لم تعد تكتب لنفسها فقط، بل بدأت "تزرع بذور الإبداع في جيل جديد". وتشير صفاء إلى أن الرواية هي عالمها الأثير، فهي تمنحها المساحة الكافية لبناء عوالم معقدة ومصائر شخصيات تعكس آمالنا وآلامنا.


الإنجازات:

على صعيد الإنجازات، نجحت صفاء في نشر روايتين: أساور من قيد و لغز الفتاة المنسية. وبينما لم تستطع السفر إلى لبنان لاستلام جائزة تكريم عن روايتها الأولى بسبب الحرب، فإنها تعتبر هذا الاعتراف محطة مهمة في مسيرتها. وتؤكد أن أبرز إنجازاتها كان في مبادرة الأطفال، التي جمعت بين الكتابة والمسرح والفنون الثقافية وسط الخراب.


تقول صفاء بصدق: "لم يدعمني أحد، كنت وحدي طوال الوقت"، بل على العكس، واجهت سخرية وانتقادات، لكنها حولتها إلى وقود دفعها للاستمرار. أما عن الورش والكورسات، فترى أنها مفيدة لمن يلتحق بها، لكنها ليست شرطًا للنجاح، فالإرادة الداخلية والشغف قد يكونان أعظم المعلمين.


وترى أن الموهبة وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى "حطب من القراءة والممارسة"، مشيرة إلى أن التدريب وحده قد يصنع كاتبًا تقنيًا بلا روح. وعن القراءة، تعتبرها "الهواء الذي تتنفسه"، حيث فتحت لها أبواب الأدب العالمي وتجارب إنسانية عميقة، لكن التأثير الأكبر جاء من قراءة الواقع وصمود الناس.


أما عن المواهب، فتؤكد أن الإنسان يمكن أن يجمع أكثر من موهبة، موضحة أن الكتابة عندها تكتمل بالمبادرة والتعليم في مشروعها "قراء صغار". وعن طموحاتها المستقبلية، تقول: "أطمح أن تُترجم أعمالي وتصل إلى قراء حول العالم، ليروا غزة بعيون أبنائها، لا بعيون نشرات الأخبار".


توجه صفاء شكرها الأكبر لنفسها "لأنها لم تستسلم"، ولآلام شعبها التي كانت سببًا في نضجها وإبداعها، مؤكدة أن "الأبطال الحقيقيين لكل حكاياتها هم شعبها المناضل". أما نصيحتها للقراء، فهي: "لا تستسلم أبدًا. آمن بنفسك ولا تستهن بأي خطوة. النجاح ليس وجهة، بل رحلة الاستمرار والمحاولة".



مشاركة مِمّا كتبت:

وقد شاركتنا صفاء مقطعًا من كتاباتها، حيث كتبت:

"كانت تعدّ أيام الحصار ليس بالأرقام، بل بعدد الكتب التي أنهتها. كل كتاب هو حياة أخرى تعيشها بعيدًا عن جدران منزلها الأربعة. في الخارج، كان صوت القصف يرسم خطوطًا متعرجة في السماء، وفي الداخل، كانت الكلمات تبني مدنًا كاملة من ورق. تساءلت: أيهما أكثر واقعية؟ مدينة من نار ودمار، أم مدينة من حبر وخيال؟ في غزة، يصعب أحيانًا التمييز بينهما."


وعن رأيها في مبادرة جريدة غاسق لتسليط الضوء على الكتّاب والمبدعين، وصفتها بأنها "شجاعة وضرورية، كشمعة تضيء في عتمة طويلة"، معربة عن شكرها للجريدة لإصرارها على أن أصوات المبدعين يجب أن تُسمع.


صفاء رزق النباهين، الكاتبة التي صنعت من الحصار مدنًا من الورق، ومن الدمار بذورًا للحياة، تفتح نافذة غزة على العالم بكلماتها وإصرارها. ومن بين القصف والركام، تثبت أن الكلمة قد تكون أقوى من الحرب، وأن الموهبة إذا امتزجت بالصبر تتحول إلى صوت لا يُكسر.


الصحفية|إسراء الزهدي|جريدة غاسق

تعليقات

التنقل السريع